روسيا وامريكا والحرب البارده

"طبعا نستطيع في وقت ما في المستقبل تقرير ما اذا كان يجب اقامة الدرع الصاروخي في مكان ما على سطح القمر"، بهذه السخرية اللاذعة والاستهزاء الغير مسبوق عبر الرئيس الروسي بوتين عن امتعاضه وعدم قناعته ورضاه عما تسعى اليه الولايات المتحدة لفرض سيطرتها على مناطق محاذية تماما لروسيا، وذلك خلال استقباله وزيرة الخارجية الامريكية ووزير الدفاع غيتس.

وقد يكون ما دفع بوتين لهذا المستوى من التهكم هو استمرار تخبط الادارة الامريكية في العراق وعدم استطاعتها تامين خروج مشرف ونتائج مرضية لما قامت به على مدى اربع سنوات وكذلك تعثر ضغوطها على ايران في سبيل منعها من امتلاك التكنولوجيا النووية بالاضافة الى مشاكل داخلية ودولية اخرى ليس اقلها مسالة الصراع العربي الاسرائيلي، إلا ان بوتين يدرك ان الادارة الامريكية ومن خلال تحالفاتها الاستراتيجية مع جيران روسيا تستطيع فرض الامر الواقع سواء بمسالة الدرع الصاروخي او ما عداه من مشاريع تدعو الى انظمام حلفاء الامس في المعسكر الاشتراكي الى منظومة الدفاع الغربية التي تقودها امريكا.

وبدأ وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس جولة في اوروبا الشرقية تشمل اوكرانيا وتشيكيا سيشرح خلالها مشروع الدرع المضادة للصواريخ التي تنوي واشنطن نشرها في اوروبا رغم معارضة القوية.

وسيشارك غيتس في اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع دول حلف الاطلسي حيث سيحث الدول الاعضاء في الحلف على ارسال تعزيزات الى افغانستان كما اعلن مسؤول كبير في البنتاغون.

وسيجري محادثات في كييف كذلك مع وزير الدفاع التركي في وقت تهدد فيه انقرة بالتدخل عسكريا في شمال العراق لمهاجمة المتمردين الاكراد الاتراك المتحصنين فيه على الرغم من معارضة كل من واشنطن وبغداد لتدخل كهذا. بحسب رويترز.

وسيسعى غيتس للحصول على دعم اوكرانيا في موضوع الدرع المضادة للصواريخ الشائك الذي تعارضه جارتها روسيا بشراسة.

وتنوي الولايات المتحدة نشر صواريخ اعتراضية في بولندا ومحطة رادار في تشيكيا وتقول ان هذا المشروع يهدف الى الحماية من اخطار محتملة قد تشكلها دول مثل ايران.

الا ان روسيا تنظر بعين التشكيك الى هذا المشروع الذي يطال مناطق كانت تقع تحت نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق وترى فيه خطرا مباشرا على امنها.

وكانت مفاوضات جرت في موسكو مطلع تشرين الاول/اكتوبر بين غيتس ووزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس من جهة ونظيريهما الروسيين من جهة اخرى قد باءت بالفشل.

واعلن الرئيس الاوكراني انه لا ينوي بتاتا البحث في فكرة نشر الدرع على اراضيه.

لكن خلافا للكرملين فانه لا يدين نشر هذه الدرع الاميركية في اوروبا اذ يعتبر ان هذا الامر متعلق بسيادة الدول المعنية به.

بوتين استقبل رايس وسخر من الدرع الصاروخي

وفي إطار الخلاف الأمريكي الروسي، وعودة لأجواء الحرب الباردة والتصريحات والتصريحات المضادة، دعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الولايات المتحدة لتحديد موعد لانسحابها من العراق.

وقال بوتين، الذي كان يتحدث ببث حي ومباشر عبر التلفزيون والإذاعة الروسيتين، إن الحملة العسكرية الأمريكية على العراق أصبحت معركة "تافهة" ضد الشعب العراقي، واصفاً السياسة الأمريكية في العراق بأنها كانت تهدف إلى الاستيلاء على الاحتياطات النفطية في العراق. بحسب الـCNN.

وكان هذا الموقف للرئيس الروسي المناهض للسياسة الخارجية الأمريكية قد جاء أثناء جلسة الحوار السنوية مع الشعب الروسي، والتي يوجه فيها الشعب الروسي أسئلة لبوتين ويجيب الأخير عليها.

وكرر بوتين تحذيراته من الجهود الأمريكية بشأن نشر أجزاء من الدرع الصاروخية في دول شرقي أوروبا.

وكان الرئيس الروسي قد حذر في وقت سابق الإدارة الأمريكية، من مواصلة خططها بنشر منظومة الدرع الصاروخي المزمعة في أوروبا الشرقية.

ففي لهجة ساخرة من خطط واشنطن بنشر صواريخ اعتراضية في بولندا، وإقامة نظام رادار في جمهورية التشيك في إطار البرنامج الدفاعي، قال بوتين خلال اجتماعه مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت غيتس: طبعا نستطيع في وقت ما في المستقبل تقرير ما إذا كان يجب إقامة منظومة الدفاع الصاروخي في مكان ما على سطح القمر.

وفي البرنامج الإذاعي طلب من بوتين التعليق على تصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، حول سيبيريا وثرواتها، وأنها أكبر من أن تنتمي لدولة واحدة، فرد الرئيس الروسي قائلاً: إنه شكل من أشكال العهر السياسي، ثم قام بمقارنة ذلك بما يحدث في العراق.

وقال بوتين: إن العراق دولة صغيرة غير قادرة على حماية نفسها، ولكنها تمتلك ثروات نفطية هائلة، لذلك، ماذا يحدث هناك؟ إن ما نراه تمام الوضوح هو أنهم يتقنون إطلاق النار، ولكنهم لا يتقنون إقامة نظام.

وأضاف بوتين أن المعركة في العراق "غير ذات جدوى" و"غير مثمرة على الإطلاق" لأنها أصبحت ضد الشعب العراقي.

وأوضح الرئيس الروسي أنه يتفق مع الرئيس الأمريكي بأن قوات التحالف يجب أن تنسحب من العراق عندما تصبح الحكومة العراقية قادرة تماماً على السيطرة على البلاد.

لكنه قال إن عدم تحديد موعد زمني للانسحاب يعني أنه لا يوجد هناك أي قوة دافعة للقادة العراقيين للسيطرة على الأوضاع الأمنية في العراق.

وقال: من غير المقبول على الإطلاق إبقاء قوات الاحتلال هناك إلى الأبد.

وكان بوتين قد أطلق تحذيراً مبطناً من شن هجوم عسكري على إيران خلال زيارة تاريخية له لطهران في مهمة تعكس الجهود الروسية الإيرانية لتحجيم النفوذ الأمريكي في المنطقة.

وحذر بوتين بشدة القوى الأجنبية من استخدام القوة في المنطقة، في إشارة واضحة للولايات المتحدة التي تتخوف إيران من شنها هجوماً عسكرياً عليها لرفضها التخلي عن برنامجها النووي.

وفي المقابل، وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش، تحذيراً شديداً إلى كل من روسيا والصين، اللتين تدعمان المساعي الإيرانية للحصول على التكنولوجيا النووية، قائلاً إن امتلاك الإيرانيين لأسلحة نووية قد يؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة.

وقال الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض: اعتبر خطر امتلاك إيران أسلحة نووية جدياً للغاية، وسنواصل العمل مع جميع دول العالم.

بوتين يحذر واشنطن

وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة من أن موسكو قد تتخذ اجراءات انتقامية اذا رفضت واشنطن أن تضع في الاعتبار المخاوف الروسية بشأن درع صاروخية في أوروبا.

وقال بوتين، يمكنني أن أؤكد لكم أنه يجري اعداد مثل هذه الخطوات وأننا سنتخذها. أما أين سنضع ماذا.. فهذا أمر متروك للمتخصصين في هيئة أركان الجيش الروسي.

وقال بوتين: يتبين من أحدث اتصالات مع زملائنا الامريكيين أنهم يولون بالفعل قدرا من التفكير للمقترحات التي تقدمنا بها وأنهم يبحثون عن حل للمشاكل وعن سبل لتخفيف قلقنا.

وتصريحات بوتين تكرار على ما يبدو لتحذير وجهه في يوليو تموز الماضي سيرجي ايفانوف النائب الاول لرئيس الوزراء الروسي من أن روسيا قد تنشر صواريخ جديدة في مناطق من بينها جيب كالينينجراد الروسي في منطقة البلطيق ردا على الدرع الصاروخية.

وتحذيره بشأن الدرع الصاروخية جاء في سياق رده على ناخب من كالينينجراد التي تمثل اقصى موقع في غرب روسيا خلال جلسة سنوية استمرت ثلاث ساعات ويعيب عليك ياا بوتين للاجابة على أسئلة المواطنين.

كما صرح زعيم الكرملين بأن روسيا تعمل أيضا على تطوير أنواع جديدة من الاسلحة النووية في اطار خطة "فخمة" لتعزيز وسائل الدفاع عن البلاد.

وتوقع خبراء عسكريون أن تنشر روسيا في وقت لاحق صواريخها التكتيكية اسكندر ام لمواجهة الدرع الصاروخية الامريكية.

ويقول جنرالات روس ان الدرع الصاروخية ستسمح للولايات المتحدة بمسح الاراضي الروسية لمسافة تصل الى الاورال وستعطي لوزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) القدرة على اسقاط صواريخ روسية ذاتية الدفع بمجرد اطلاقها.

وعرض بوتين على الولايات المتحدة الاستخدام المشترك لقاعدة رادار تستأجرها روسيا في أذربيجان كبديل للدرع الصاروخية في أوروبا.

وكالينينجراد محاطة ببولندا وليتوانيا العضوين الجديدين في حلف شمال الاطلسي. ومدينة كالينينجراد وهي مدينة كوينجسبرج البروسية السابقة التي استولت عليها روسيا كجائزة في الحرب العالمية الثانية أقرب الى وارسو منها الى موسكو.

وقال ياروسلاف كاتشنسكي رئيس وزراء بولندا يوم الخميس في وارسو ان استضافة الدرع يمكن ان تساعد في حماية بلاده مشيرا الى تهديد محتمل من روسيا.

وتقول بولندا التي أجرت انتخابات برلمانية يوم الاحد ان الدرع الصاروخية ليست موجهة ضد روسيا.

وقال كاتشنسكي في مؤتمر صحفي، هذا سيعزز أمننا... علينا أن نتذكر أننا دولة في حالة تهديد دائم. الروس لم يتقبلوا التغييرات منذ عام 1989 ومن الواضح أنهم يعتبروننا ضمن مجال نفوذهم.

وكان كاتشنسكي يشير الى سقوط الشيوعية في عام 1989 الذي أنهى سيطرة روسيا على بولندا.